سورة المدثر - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المدثر)


        


{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}.
طَهِّرْ قلبك عن الخلائق أجمع، وعن كلِّ صفةٍ مذمومة.
وطَهِّرْ نَفْسَك عن الزَّلاَّت، وقلبَك عن المخالفات، وسِرَّك عن الالتفاتات.
ويقال: أَهْلَكَ طَهِّرْهم بالوعظ؛ قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ} [البقرة: 187]، فيعبر عنهن- أحياناً- بالثياب واللِّباس.
قوله جلّ ذكره: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}.
أي: المعاصي. ويقال: الشيطان. ويقال: طهِّرْ قلبَك من الخطايا وأشغال الدنيا.
ويقال: مَنْ لا يَصِحُّ جِسْمُه لا يجد شهوةَ الطعام كذلك مَنْ لا يَصِحُّ قلبُه لا يجد حلاوةَ الطاعة.
{وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ}.
لا تُعْطِ عطاءَ تطلب به زيادةٍ على ما تعطيه.
ويقال: لا تستكثِرْ الطاعةَ من نفسك.
ويقال: لا تمنُنْ بعملك فتَسْتكثِرَ عملك، وتُعْجَبَ به.
{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}.
أي: أنت تُؤَذَى في اللَّهِ. فاصبرْ على مقاساةِ أذاهم.
قوله جلّ ذكره: {فَإِِذَا نُقِرَ فِى النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}.
يعني: إذا قامت القيامةُ، فذلك يومٌ عسيرٌ على الكافرين غيرُ هيِّنٍ.
قوله جلّ ذكره: {ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً}.
أي: لا تهتمْ بشأنهم، ولاتَحْتَفِلْ؛ فإنِّي أكفيكَ أمرَهم.
إنِّي خَلَقْتُه وحدي؛ لم يشارِكْني في خلقي إيَّاه أحدٌ.
ويحتمل: خَلَقْتُه وَحْدَه لا ناصرَ له.
قوله جلّ ذكرهُ: {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً}.
حضوراً معه لا يحتاجون إلى السَّفَرِ.
{وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً}.
أراد: تسهيلَ التصرُّف، أي: مكَّنْتُهُ من التصرُّف في الأمور.
{ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ}.
يطمع أن أزيده في النعمة.


{كَلآَّ إِنَّهُ كَانَ لأَيَاتِنَا عَنِيداً}.
جَحوداً.
{سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً}.
سأحمله على مشقَّةٍ من العذاب.
{إنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}.
أي: لُعِنَ كيف فكَّر، وكيف قَدَّر، ويعني به: الوليد بن المغيرة الذي قال في النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّه ليس بشاعرٍ ولا بمجنونٍ ولا بكذَّاب، وإنه ليس ساحر، وما يأتي به ليس إلا سحرٌ يُرْوَى: {ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَآ إِلاَّ قُوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرٌ لاَ تُبْقِى وَلاَ تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبََشَرِ}.
لا تُبقي لَحْماً، ولا تَذَرُ عَظْماً، تحرق بشرة الوجه وتُسَوِّها، من لاحته الشمسُ ولوَّحته.
{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}.
قال المشركون: نحن جَمْعٌ كثير فما يفعل بنا تسعة عشر؟! فأنزل الله سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِيمَاناً وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ}.
فيزداد المؤمنون إيماناً، ويقول هؤلاء: أي فائدة في هذا القَدْر؟ فقال تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ}.
ثم قال: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِىَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}.
أي: تقاصرت علومُ الخَلْقِ فلم تتعلَّقْ إلا بمقدار دون مقدار، والذي أحاط بكل شيء علماً هو الله- سبحانه.
{كَلاَّ وَالْقَمَرِ}.
كلاّ- حرفُ ردعٍ وتنبيه؛ أي:؛ ارتدعوا عما أنتم عليه، وانتبهوا لغيرِه.
واقسم بهذه الأشياء {كَلاَّ وَالْقَمَرِ}: أي بالقمر، أو بقدرته على القمر.


{وَالَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} وقُرِئ ودَبَرَ أي: مضى، {وَالصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ} أي: تجلَّى.
{إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ}.
أي: النار لإحدى الدواهي الكُبَر.
ويقال في {كَلاَّ وَالْقَمَرِ} إشارةٌ إلى أقمار العلوم إذا أخذ هلالُها في الزياد بزيادة البراهين، فإنها تزداد، ثم إذا صارت إلى حدِّ التمام في العلم وبلغت الغاية تبدوا إعلام المعرفة، فالعلم يأخذ النقصان، وتطلع شمسُ المعرفة، فكما انه قَرُبَ القمرُ من الشمس يزداد نقصانه حتى إذا قرب من الشمس تماماً صار محاقاً- كذلك إذا ظَهَرَ سلطانُ العرفانِ تأخذ أقمارُ العلوم في النقصان لزيادة المعارف؛ كالسراج في ضوء الشمس وضياء النهار. {وَالَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} أي إذا انكشفت ظُلَمُ البواطن، {وَالصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ} وتجلَّت أنوار الحقائق في السرائر.... إنها لإحدى العظائم! وذلك من باب التخويف من عودة الظُّلَم إلى القلوب.
{نَذِيراً لِّلْبَشَرِ}.
في هذا تحذيرٌ من الشواغل التي هي قواطع عن الحقيقة، فيحذروا المساكنةَ والملاحظةَ إلى الطاعات والموافقات.... فإنّها- في الحقيقة- لا خطرَ لها.
{لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} عن الطاعات , وهذا على جهة التهديد.
قوله جلّ ذكره: {كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}.
أي: مرتهنة بما عملت، ثم استثنى: {إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ}.
فقال: إنهم غير مرتهنين بأعمالهم، ويقال: هم الذين قال الله تعالى في شأنهم: «هؤلاء في الجنة ولا أُبالي»!
وقيل: أَطفال المؤمنين.
{فِى جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ عِنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَر قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَآئِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}.
هؤلاء يتساءلون عن المجرمين، ويقولون لأهل النار إذا حَصِلَ لهم إشرافٌ عليهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ}؟ {قالوا ألم نك من المصلين} ألم نكُ نُطْعِمُ المسكين؟
وهذا يدل على أنَّ الكفارَ مُخَاطَبون بتفصيل الشرائع.
{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَآئِضِينَ}: نشرع في الباطل، ونكذَّب بيوم الدين.

1 | 2 | 3